سياسةقضايا و رأيمقتبسات

جماعة رأس العين بإقليم سطات … حين يركب المنتخب صهوة الفرس ويطلق البارود على ميزانية الجماعة.

بقلم: إيمان بوسويف.

في جماعة رأس العين التابعة لإقليم سطات، حيث يلتقي الهامش الاجتماعي بالبؤس التنموي، لم تعد التبوريدة مجرد احتفال فولكلوري بطابع تراثي بل تحوّلت إلى بندقية انتخابية تطلق رصاصها في الهواء، بينما تطلق السلطة المحلية صمتها على الأرض.

هذا الذي يحدث حين تختزل السياسة في فروسية استعراضية، وحين تصبح قبور الأولياء مسارح لتصفية الحسابات بين رئيس جماعة ومعارضيه، وحين ينحر المال العام لا في سبيل بناء مدرسة أو إصلاح طريق، بل على مذبح صراعات عبثية تتخذ من الفرجة وسيلة للهيمنة الرمزية.

فقبر الولي الصالح سيدي امحمد البهلول لم يعد ملاذا للروح ولا مزارا للمتصوفة بل أصبح ساحة اشتباك انتخابي، حيث يرفع فيها أحد مستشاري المعارضة راية موسمه، فيأتيه الرد سريعا من الرئيس بموسم موازي وفي المكان ذاته مع اختلاف التواريخ، وكأننا أمام إعادة تمثيل هزلية لصراعات الزعامة الجاهلية، لكن هذه المرة بأموال الجماعة وتحت يافطات جمعيات موالية لهذا الطرف أو ذاك.

الفيلسوف هابرماس كان سيصاب بالذهول لو رأى كيف يستبدل الفضاء العمومي حيث يتبادل المواطنون النقاش العقلاني، بساحة للتبوريدة حيث يتبادل المنتخبون إطلاق البارود السياسي. أما رائد مدرسة السلوك الانساني ماكس فيبر فيبدو أن رؤيته للسياسة كـتخصص شريف في خدمة الناس قد دفنت هي الأخرى قرب ضريح سيدي امحمد البهلول دون جنازة.

ففي جماعة تعاني من كل مظاهر الهشاشة من بنية تحتية متهالكة وغياب مراكز صحية لائقة وبطالة وتسرب مدرسي ومؤشرات فقر تقرع الأبواب، تصرف مئات الآلاف من الدراهم على تكرار مواسم التبوريدة، فقط لأن الرئيس لا يريد أن يترك المجال الرمزي لمعارضه، وكأن التنمية تقاس بعدد الخيول وعدد الطلقات، لا بعدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة ببطون خاوية وبنقل مدرسي يخضع للنزوات في ضرب صارخ لحقوق الطفل وللمواثيق الدولية ولإرادة جلالة الملك ولروح الدستور.

فهل نحن أمام مشهد سريالي؟ لا، بل نحن أمام مشهد مغربي صرف، حيث تتحول الجمعيات التي وجدت لخدمة التنمية إلى أذرع انتخابية تمتص المال العام وتحوله إلى عروض فولكلورية لا تعود بأي نفع حقيقي على المواطن، هذا المواطن الذي أصبح مجرد متفرج في حلبة صراع لا ناقة له فيها ولا بندقية.

وفي الواقع يقال إن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، لكن في جماعة رأس العين يبدو أن السلطة الهامشية هي الأكثر عبثا، لأنها لا تخضع لأية رقابة حقيقية، وتلبس عباءة التقليد لتخفي عجزها عن تقديم أي مشروع مجتمعي واضح.

نحن لا نرفض التبوريدة فهي جزء من الذاكرة الثقافية، ومن تراث يشهد على علاقة الإنسان المغربي بالأرض والفرس والكرامة، لكن حين تتحول إلى أداة لتفجير الصراعات السياسية، وإلى ذريعة لتمويل جمعيات ولاؤها للزعيم لا للساكنة، فإنها تفقد معناها وتصبح شكلا من الشعوذة الديمقراطية، تلبس لبوس الثقافة تخفي وراءها هشاشة الدولة المحلية.

وحين يعلو دوي البارود في سماء رأس العين، فمن هو المستهدف؟ بالتأكيد ليس الخصم الانتخابي فقط، بل تستهدف العقلانية والمصلحة العامة، ويصاب المواطن بشظايا اللامبالاة والنسيان.

ألا يكفي موسم تبوريدة واحد للجماعة تنظمه جمعية مستقلة لا تنتخب ولا تنتخب؟ ألا يكفي عجز واحد في الميزانية بدل ثلاث تبذيرات؟ ألا يستحق سيدي امحمد البهلول بعض السكينة، بدل أن تستحضر روحه في معارك لا تشبه قداسة الأولياء؟.

إنه العبث في أبهى تجلياته، حين تصبح الفرس أطهر من الفكرة، والبندقية أصدق من المشروع، والبهالة أرفع من البرلمان.

وفي انتظار أن يفيق المنتخبون من سكر البارود، سنواصل نحن المواطنون دفع ثمن هذا الكرنفال الدموي الذي يقام باسم التراث لكنه يخفي فروسية وهمية على صهوة الانتهازية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى